Merhaba!

Welcome! Our site features the work of our blog abroad correspondents and has everything you need to know about our study abroad programs!

"سجلماسة الأبية" by Soukayna Alaoui

"سجلماسة الأبية" by Soukayna Alaoui

من الأشياء الجميلة في الحياة كما أراها شخصيا هي مسألة الاعتزاز بالهوية الثقافية والمساهمة في الحفاظ عليها ونشرها في كل مناسبة متاحة، وعليه؛ أنا اليوم هنا لأحدثكم عن حكايتي مع هويتي الثقافية التي تعرفت عليها عن قرب خلال السنوات الأخيرة الماضية فقط، فقبيل أن يجتاح فيروس كورونا الأرض ويشل ما ومن عليها حظيت بفرصة للذهاب لمسقط رأسي؛ فأنا أنتمي لمنطقة تدعى "تافيلالت" وهي منطقة تقع بالجنوب الشرقي من المملكة المغربية، وتعد من بين أهم المناطق التاريخية في المغرب، فهي تعتبر ثاني مدينة إسلامية تشيد بالمغرب الإسلامي بعد مدينة القيروان. ألا وهي مدينة "سجلماسة" الأبية، هذه المنطقة حسب المراجع التاريخية عرفت ازدهارا كبيرا بسبب موقعها الجغرافي الذي كان قريبا من جملة من بلدان شمال إفريقيا، وكذا الجانب الغربي من السودان بحكم التجارة، إضافة إلى بلدان المشرق الإسلامي العربي، وازدهرت فيها التجارة والقوافل، وخصوصا تجارة الذهب والثوابل والتمور...

The dramatic landscape of the Tafilalet Region, where the author was born. Photo Credit: Alaoui, 2021

ولدت في مدينة الرشيدية، وهي تبعد تقريبا 82 كلم عن مدينة الريصاني، وهو الاسم الحديث لمدينة سجلماسة، والتي لم أزرها طيلة سكني واستقراري في مدينة الرشيدية، وشاءت الأقدار أن أزورها لأول مرة سنة 2019 مع مجموعة من طلاب اللغة العربية الناطقين بغيرها. إن عدم زيارتي لسجلماسة طيلة تلك السنوات التي قضيتها بمدينة الرشيدية قبل أن أغادر نهائيا إلى مدينة الرباط شيء اعتبرته غير منصف البتة، فقد عشت بالمدينة لأزيد من عشرين سنة. إلا أنني لم أستطع التعرف على هذه المنطقة الخلابة التي سحرتني بكل التفاصيل الموجودة بها، بدأُ بالخضرة التي تتفتق من بين الصخور والأراضي الرملية الشاسعة. حيث تظهر أشجار النخيل كحزام أخضر بديع يمتد طوله لمئات الكيليموترات، منظر ساحر يجعل منك شاعرا تتقد مهجتك إبداعا وشعرا في حضرة هذه اللوحة البديعة التي صنعها الخالق.

The traditional Berber dish of Madfounah is exclusive to the Tafilalet Region. Photo Credit: Alaoui, 2021

وإذا تتبعت هذا الشريط، تأكد أنك ستصل لأماكن أجمل. إذ تتميز سجلماسة بالعديد من المناظر الطبيعية التي تسحرك من أول زيارة لها، حتى أن المناخ له دور في هذا السحر، فإذا زرتها في فصل الربيع ستشعر لا محالة أنك في فصل الصيف، وأن جسمك يأخذ كامل حقوقه من أشعة الشمس الدافئة. كما أن ذلك المناخ الصحراوي الجاف يحفز شهيتك على الأكل والشرب، وإن أشهر شيء يمكن الحديث عنه هنا هو طعام مميز وخاص لا يوجد في بقعة أخرى من هذا العالم، فقط سجلماسة وحدها لها حقوق الملكية لهذا الطبق الشهي؛ الذي عادة ما يسميه المرشدون السياحيون ب: "بيتزا أمازيغية" ولأكون صريحة، لم أحب فعلا هذه التسمية، فاسم" مدفونة" يليق به أكثر. كما أنه لا تشابه بين البيتزا والمدفونة؛ فإذا نظرنا عن كثب لهذا الطبق الأمازيغي التقليدي، فهو يضم العديد من المكونات أهمها: العجين المصنوع من قمح مصفى، وقطع لحم صغيرة، وبصل بكميات كبيرة، ومكسرات كالجوز واللوز، وزيت زيتون، والكثير من الثوابل، تخلط كل هذه المكونات وتطهى على الأحجار أو داخل فرن خاص؛ بالإضافة إلى أنها تأخذ وقتا وجهدا في الإعداد، وتختلف لذة المدفونة من شخص لآخر، ربما السر في درجة الحب في قلب هذا الشخص، وهل يطبخ عن حب أم لا - من يدري؟ - وترفق المدفونة عادة ب" براد ديال أتاي بالعشوب" وهو شاي مغربي بمجموعة من الأعشاب التي ستجعلك مدمنا على شربه ابتداء من الرشفة الأولى.

وتشتهر تافيلات كذلك بالثوابل، وهذا ما يعطي لطعامهم مذاقا لا يصدق، فالمرأة الفيلالية لا مثيل لها في العناية بالزوج والأسرة الممتدة، وتعتني بشؤون بيتها بكل تفاصيله؛ كما أنها متشبثة بالهوية الثقافية والتقاليد والعادات والأعراف، وتقوم بإعداد أطباق متنوعة حسب المناسبات والأعياد والاحتفالات التي تقام بالمنطقة. لذلك فالثوابل جزء لا يتجزء من مطبخها وهويتها، وبتغير مقادير الثوابل في الطعام تتغير النكهة والطعم؛ وليس هذا فقط، بل يمكن اعتماد بعض أنواع الثوابل في التطبيب، وعلاج بعض الآلام وتخفييها من البيت، كالكمون الذي يعالج نزلات البرد وأمراض المعدة، والينسون لعلاج انتفاخ الأمعاء، والريحان لآلام الأسنان واللثة واللسان... وغير هذا كثير، وعليه فإن المرأة الفيلالية هي طباخة ماهرة وطبيبة معالجة في نفس الآن.

Photo Credit: Alaoui, 2021

بعد تناول "المدفونة" وشرب " أتاي بالعشوب" لا بد من زيارة السوق، وهو المكان الذي يعد وجهة مثالية للتعرف على المنتوجات التقليدية المنتشرة بالمنطقة، سواء ما أنتجته الطبيعة كالتمور، باختلاف ألوانها ووأحجامها وأشكالها، إذ تعتبر واحات تافيلات من أكثر الواحات في المغرب إنتاجا للتمور ذات الجودة العالية، وأشهرها ما يعرف باسم" تمر المجهول" - إنه هدية من السماء – إضافة إلى الحناء التي تعد جزءا لا يتجزء من هوية المنطقة للنساء والرجال، فالنساء يستعملنها في أشياء عديدة. هناك حناء خاصة بالشعر، وحناء خاصة بالجسم عند الذهاب للحمام المغربي التقليدي، وحناء لليدين والقدمين، وحناء للنقش، أما الرجال فيستعملونها لغرض علاجي، خصوصا الأشخاص الذين يعانون من تشققات على مستوى اليدين والرجلين بسبب قساوة المناخ أو ممارسة أعمال جسدية شاقة كالبناء مثلا. إضافة إلى الورد والمسواك والعلك ( وهي مادة لزجة تستخرج من بعض أنواع الأشجار والتي تستعمل في إعداد الشاي المغربي)

Photo Credit: Alaoui, 2021

The region’s textile industry is vibrant, many of the dyes come from local plants and minerals. Photo Credit: Alaoui, 2021

أو ما أنتجه سكان المنطقة، ونحن هنا نقصد صناعة النسيج، أو ما يعرف بنسج الزرابي، إذ تشتغل النساء من منازلهن ويعتكفن على نسج زرابي مختلفة الأحجام والألوان، والتي عادة ما تكون المواد المصنوعة منها تقليدية ومحلية مستخرجة من المنطقة؛ كالصوف مثلا، التي تقص من على الغنم الذي تمتلكه الأسرة والذي يمر عبر مراحل عديدة وطويلة ومعقدة، تبتدئ بتربية الأغنام والانتظار لسنة كاملة لقص الصوف من عليها، ثم يتم غسلها وتجفيفها، وبعد ذلك، تمشيطها وغزلها، وأخيرا صبغها بألوان طبيعية. اللون الأحمر الذي يستخرج من نبتة خاصة تسمى " الفوة" أو اللون الأزرق الذي يستخرج من حجر" النيلة" واللون البرتقالي باستعمال أوراق الحناء.... وأخيرا استعمالها في صناعة نسج الزربية، وقد تستغرق الزربية في صناعتها من ثلاثة إلى ستة أشهر أو يزيد، حسب الحجم والرشوم والألوان....لتبدأ الزربية رحلتها في الأسواق مع التجار والزبناء، من داخل وخارج المغرب، وتختلف الأسعار من شخص لآخر ومن جنسية لأخرى.

ولكي لا تعتبر زيارتك لسلجلماسة لاغية، لا بد من زيارة الكثبان الرملية المترامية على مئات الكليومترات، والتي تجعلك غير مصدق لذلك الكم من المتعة التي تشعر بها وأنت تعتلي ظهر جمل، وجسدك يتأرجح يمنة ويسرة مع كل خطوة يخطوها في قممم الكثبان الذهبية، التي ستتمنى لو تطول المسافة بين أعلى واحدة – كثبان رملية- وبين خيمتك التي تبيت فيها، وطبعا لن تستطيع نسيان ذلك الغروب المثقل بالألوان المائلة للأحمر. غروب يدعوك لربط أواصر محبة وثيقة مع هذا المكان، وإذا كنت محظوظا فإنك ستكون قادرا على التزحلق على تلك الكثبان وأنت ملثم كالرجال الزرق، الذين ينتمون للمجتمع الطوارقي والذين يسمون بشرطة الصحراء. ستشعر بشعور لا يضاهى، نعم إنه سحر الصحراء الصارخ.

والتجرببة الأخيرة التي لن أستطيع نسيانها حتى لو أردت ذلك، هي السمر ليلا، والموسيقى الأمازيغية الصحراوية تدق بينما أنا جالسة إلى جانب النيران المتقدة. أشخاص كثر يتراقصون ويطوفون حول النيران، ضحكات تتعالى وفرحة غامرة تعم المكان، تستطيع أن تنسى كل همومك وآلامك، ستكون جزءا من هذه اللوحة الفلكورية البديعة. حقيقة، لقد شعرت بفخر كبير لانتمائي لهذا المجتمع، ولهذه الثقافة، ولكل هذا الجمال الصارخ في كل تلك الأمكنة، وفي كل تلك العطور المنبعثة من السوق، وفي كل تلك النغمات الموسيقية التي سحرتني في تلك الليلة. تلك الليلة تحديدا تشبثت بهويتي وبثقافتي أكثر، وأنا اليوم هنا لأقوول لكم:" لا تتردوا يوما في الافتخار بالثقافة التي تنتمون إليها، وكونوا حريصين على تجديد الصلة بها كلما سنحت لكم الفرصة".

وأخيرا، كل الحب لسجلماسة، ولأهلها، ولكل تلك الأماكن والأشياء البديعة الموجودة بها ولم تغادرها رغم مرور السنين.

When taking a trip to Tafilalet, you must visit the nearby sand dunes. Photo Credit: Alaoui, 2021

When taking a trip to Tafilalet, you must visit the nearby sand dunes. Photo Credit: Alaoui, 2021

“…حقيقة، لقد شعرت بفخر كبير لانتمائي لهذا المجتمع، ولهذه الثقافة”
Photo Credit: Alaoui, 2021

Soukayna Alaoui is an Arabic instructor at AMIDEAST Morocco.

AMIDEAST Education Abroad Goes to Dubai!

"J’ai de l'espoir" by MacKenzie Galloway

"J’ai de l'espoir" by MacKenzie Galloway